الطاوُوس يثير الجدل لتعرضه لقضية الفيرمونت
ما بين ليلة وضحاها، شغل مسلسل "الطاووس"، الرأي العام، لتشابه أحداثه مع قضية "الفيرمونت" المتهم فيها عدد من الشباب أبناء رجال أعمال كبار في مصر باغتصاب فتاة، قبل عدة سنوات، لكنها ظهرت في يوليو 2020 بعد رفع المجني عليها دعوى قضائية.
ورأى مستخدمون عبر مواقع التواصل أن مشهد الاغتصاب الذي لم يتضمن مقاطع جنسية تتضامن مع الجناة، وزاد الجدل مع إعلان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، " التحقيق فوراً مع المسؤولين عن إنتاج مسلسل 'الطاووس'، ومسؤولي القنوات التي تقوم بعرضه".
وسرعان ما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغات داعمة مثل #ادعم_مسلسل_الطاووس في حين ظهرت أخرى مثل #مسلسل_الطاوس_ضد_القيم.
لكن أحد أفراد فريق المسلسل أوضح لعدة مواقع إخبارية أنهم حتى الآن لم يستلموا طلبا رسمياً بالتحقيق معهم، ونفى المصدر، الذي لم يرغب بالكشف عن اسمه، ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام بشأن إيقاف المسلسل.
وفي حين عزا بيان المجلس قراراه إلى تلقيه شكاوى عديدة، حول استخدام لغة لا تتفق مع القوانين التي أصدرها المجلس، و"تؤكد على ضرورة إعلاء القيم وعدم المساس بالأسر المصرية أو الحط من شأنها، أو إظهارها في صورة تسيء إليها.
وقال المسؤول في العمل الفني : "استيقظنا من النوم، بعد عرض ست حلقات من المسلسل، وجدنا أن جهة ما تعلن التحقيق في العمل الدرامي لأنه وصلتها عدة شكاوى، نحن حتى هذه اللحظة لا نعلم من هم أصحاب الشكاوى".
ويضيف "هناك أقاويل مرسلة بأنها أتت من أطراف إحدى القضايا المعروفة. الأمور ملتبسة حتى الآن ولا نفهم ماذا يحدث ولماذا".
رواد مواقع التواصل الاجتماعي وحتى المسؤول في فريق إنتاج المسلسل يشيرون إلى أن أطراف جريمة "الفيرمونت" قد يكونون وراء قرار التحقيق مع صناع المسلسل.
وتدور أحداث "الطاووس" حول شابة بسيطة تلجأ للسفر مع زميلة لها إلى الساحل لكي تعمل في أحد الفنادق، وفي أول يوم من عملها يحاول بعض الشباب من أصحاب المال والنفوذ مغازلتها، لكنها ترفض سلوكهم.
ويحاول أحد الشباب الاعتذار من خلال تقديم شراب عصير لها يحتوي على مخدر تتناوله الفتاة دون علم، وتتعرض لاغتصاب جماعي من هؤلاء الشباب، ويقومون بتصوير فيديو لها وهي بصحبتهم، وعندما تستيقظ تجد نفسها عارية في الفراش بمفردها، وتأتي صديقتها وتجذبها خارج المكان وتقنعها بمغادرة القرية السياحية دون إحداث مشاكل.
وتتشابه أحداث المسلسل وخاصة مشهد الاغتصاب وتصويره بالفيديو بقضية "فتاة الفيرمونت" التي تعود إلى عام 2014، حين اتهمت مجموعة من الأثرياء والمتنفذين بتخدير واغتصاب شابة في فندق "فيرمونت نايل سيتي" في العاصمة المصرية القاهرة، لكن من شاهدوا الفيديو أو علموا بتفاصيله، تعرضوا لتهديدات لثنيهم عن الإدلاء بأقوالهم إلى جهة التحقيق، أو تقديم المقطع إليها.
ويقول أحد صناع المسلسل: "قرار التحقيق قد يكون له علاقة بالقضية، هناك مرتكب جريمة ما، ومسلسل ما يتناول جريمة شبيهة، فهو قلق من رد فعل المجتمع تجاه مثل هذه الجرائم، فيتم كتم كل شيء حتى لا يتم تذكير الناس بهذه الجريمة".
الناقدة الفنية، ماجدة خيرالله، قالت على صفحتها بفيسبوك ردا على بيان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام: "شوفوا (ابحثوا عن) حجه تانيه، غير الكود الاخلاقي لوقف المسلسل أو محاربته".
وقالت: "تابعتُ كل الحلقات التي عرضت من مسلسل الطاووس، ولم أجد فيه كلمة أو مشهد يخدش الحياء، عمل تلعب بطولته السيدة سميحة أيوب، وجمال سليمان والموهوبة جدا سهر الصايغ، وأحمد فؤاد سليم، ومجموعه من الممثلين الشباب، ولا يجد من يدافع عنه من أدعياء مناصرة الإبداع، ولا النقابات الفنية".
وأضافت "نحن أمام مسلسل اجتماعي عن فتاة غلبانه (بسيطة) تتعرض لاغتصاب جماعي، من مجموعة من شباب ينتمون لعائلات ذات سلطة ونفوذ، ولا تجد من يساندها لاستعادة حقها، وإدانة المتهمين! حادث متكرر في أزمنة مختلفة؟ لكن اللي على دماغهم بطحه (أي من يشك بأن الموقف خاص به) طالبوا بوقف المسلسل لأنه يمس قضية مشابهة متهم فيها بعض أبناء العائلات ذات النفوذ!".
وأشارت إلى أن "مسلسل الطاووس عمل إبداعي محترم يستحق الاهتمام، عيب عليكوا وعلينا إذا وقفنا ساكتين أمام محاوله لاغتيال عمل فني جاد مثل الطاووس".
وأعلن عدد من الفنانين أمثال منى زكي وهشام ماجد دعمهما للمسلسل.
في المقابل، يرى ناقدون للمسلسل أن أحداث المسلسل لا تتناسب مع الشهر الكريم ويخالف أعراف المجتمع المصري، مشيرين إلى أن أحداثه تسيء للمجتمع المصري وأنها لا تمت للواقع بصلة.
وأشار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في بيانه إلى أن احترام المشاهدين من أولويات الأعمال الفنية الهادفة، حفاظاً على الهوية وتماسك الأسر والابتعاد عن أي صورة تشوهها، أو تحض على العنف اللفظي والجسدي، وأن تتبنى الأعمال الدرامية محتوى إيجابي يحترم القيم المتعارف عليها.
ولا يرفض الناقد الفني وليد سيف، في مقابلة له مع قناة "الحرة" فكرة التحقق من الأعمال الفنية "وأن تكون هناك جهات تسأل لماذا هذا، في النهاية لدينا جهاز الرقابة على المصنفات الفنية هو صاحب القرار وهو متطور جدا".
لكن العضوة في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سابقا، منى الجرف، استغربت من قرار إحالة فريق المسلسل للتحقيق بسبب ما ذكر فيه من ألفاظ.
وقالت: "ألم يروا المسلسلات الأخرى وما يقال فيها، لو كانوا قد أحالوا مسلسلين أو ثلاثة، كان من الممكن فهم ذلك أنه في إطار توجه معين للدولة، لكن ذلك لم يحدث".
وقال الشخص المسؤول عن الإنتاج: "عملُنا محترم وله قيم ومعانٍ، ونسعى لأن نقدم فنا محترما، ونتحدث عن المسكوت عنهم من ضحايا في مجتمعنا، وهن أختي وأختك وابنتي".
وأضاف متسائلا: "هل يعقل أن هناك عملا دراميا تم تصويره إلا بعد أن مر النص على الرقابة وحصل على الموافقة بعرضه؟ هل هناك أي شك في أن لجنة من الرقابة تشاهد كل المشاهد وأجازت الحلقات التي يتم عرضها على القنوات؟".
وتابع "هناك اتهام بأننا وضعنا تفاصيل القضية في المسلسل، لكن القضية نفسها محظور فيها النشر، فكيف حصلنا على تفاصيلها والإعلام لا ينشر عنها شيئا، وهل إذا حصلت سرقة بنك، فمعنى ذلك ألا ننتج أي عمل فني عن سرقة البنوك".
فيما قال الفنان، جمال سليمان، في تصريحات تلفزيونية إنه ليس هناك أي تشابه مع قضية "الفيرمونت" ولا يتحدث عن واقعة معينة، مضيفا "المسلسل تحدث عن ظاهرة مجتمعية موجودة في الواقع وفي العالم كله وليس في مصر فقط، لكن المسلسل أعطى اهتماما حول دور مواقع التواصل في مثل هذه القضايا لأن مواقع التواصل سلاح ذو حدين".
وظلت حادثة اغتصاب "الفيرمونت" طي الكتمان إلى أن بدأت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عنها في يوليو الماضي، ومن بينها، حساب على إنستغرام يطلق على نفسه اسم "شرطة الاعتداء"، ما دعا النيابة العامة المصرية إلى إعلان فتح تحقيق بشأنها.
وكما تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع قضية "الفيرمونت"، تفاعلوا مع المسلسل بالشكل ذاته.
ولا يستبعد الناقد الفني، وليد سيف، أن يكون الهاشتاغ مدفوعا لأهداف معينة، وقال: "أعتقد أن تعاملنا مع الأعمال الفنية أصبح أكثر تحضرا، وخاصة أن الموضوع مثار اهتمام على مستوى الدولة والأفراد".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق